دروس مختصرة في علمي العَروض والقوافي – للمبتدئين
أعدها البشير عصام أبو محمد المراكشي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فهذه سلسلة من الدروس النظرية والتطبيقية في علم العروض، الذي به تعرف بحور الشعر العربي، وقواعد الوزن والقافية.
وغني عن الذكر أن هذا العلم من الأهمية بمكان، لأنه مفتاح نظم الشعر لمن كان ذا نفس شاعرية فياضة، تعشق جمال الألفاظ، وتتذوق حلاوة المعاني؛ وهو السياج الذي يحمي دواوين شعر العرب من التغيير والتحريف، ويميز الشعر مما يقاربه كالسجع، فيعلم أن القرآن ليس شعرا؛ وهو أداة نظم المتون العلمية لمن احتاج إلى نظم فن من الفنون، يخشى عليه الضياع والنسيان؛ وهو سبيل تمييز صحيح الأوزان من سقيمها، ومعرفة مكسورها من سليمها.
ورب واعظ أو داعية سمعناه يستشهد ببيت من الشعر، فيكسره كسرا، ويعجنه عجنا، حتى لا يبقى منه إلا صورة المعنى المراد، في قالب غير منظوم، وتركيب غير مسبوك.
وقد اتفق أهل الفن على أن حفظ النظم أيسر من حفظ النثر – إلا ما يسر الله حفظه في الصدور، وهو كلام اللطيف الخبير - ، ومن المعلوم أن من لا معرفة له بقواعد الوزن، فالنظم عنده والنثر سيان.
وكم من بيت أعجزني تطلب ألفاظه وتذكرها، فاستعنت بالأوزان حتى استرجعت ما فاتني منه، في أقرب وقت، وأيسر حال. ومن جرّب عرف، وليس الخبر كالعيان.
وقد جربتُ القريض بالعربية، والنظم بالفرنسية، وبلغتُ في الثاني شأوا، حتى حصلت على جائزة من مركز فرنسي متخصص منذ نحو عشر سنوات، وآن لي أن أقول: أين الثرى من الثريا؟ وأين الحش من العرش؟
بل أقول:
ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا؟!
إن المتأمل المنصف لا بد أن يطأطئ رأسه إجلالا وإكبارا لهذا التراث العلمي الضخم في تناسق، والعظيم في تكامل، الذي سار عليه شعراء العربية منذ أمد بعيد، ووضع قواعدَه الألمعي العبقري علامة العربية: الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، في القرن الثاني الهجري، فأعجز العلماء من بعده، ولم يحوجهم إلى تكلف الزيادة، أو تجشم عناء التصويب والإلحاق (إلا ما كان من الأخفش في بحر المتدارك وهو يسير).
وكلما أجلت الطرف في تراث العرب في الشعر وعلومه، والخطابة وفنونها، والإنشاء والترسل ولطائف البيان، وعلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وعروض وغير ذلك، كلما قلت: سبحان الذي جعل العربية لغة القرآن الكريم، وحفظها بحفظه لكلامه العظيم، وهيأ لها أسباب التطور والرسوخ.
بقي أن تعلم أيها الأخ الكريم، أن النظم غير الشعر. فإذا أتقنت فنون النظم، لم يؤهلك ذلك لأن تكون شاعرا، بل الشعر قدر زائد منبعه إحساس النفس بالجمال، وتطلبها شريف المعاني، مع إدمان النظر في تصرفات الأدباء، وطرائق فحول الشعراء.
وقد آن الأوان للشروع في المقصود، وربنا المحمود على عظيم نعمه، وسابغ آلائه.
الدرس الأول: قواعد الكتابة العروضية
اعلم أن الكتابة العروضية تعتمد على المنطوق، لا المكتوب، ومن المعلوم أن قواعد الإملاء العربي تقتضي أن يكون بين المنطوق والمكتوب فرق بالزيادة أو النقصان.
انطق الكلمات التالية ثم قارن بكيفية كتابتها: هذا، رجلٌ، سيدٌ، الدراسة، لكنّه...
سوف تجد أنها تنطق هكذا: هاذا، رجلنْ، سيْيِدُنْ، اَدْدِراسةُ، لاكِنْنَهُ ...
ومن هنا تعلم قواعد الكتابة العروضية، وأهمها ما يلي:
1- فك الإدغام:
فكل حرف مشدد يعوض بحرفين متماثلين أولهما ساكن والثاني متحرك.
مثال: جرَّ، المدُّ، أَدِّبْ
تكتب: جرْرَ، المدْدُ، أَدْدِبْ.
2- كتابة التنوين:
التنوين نون ساكنة تلحق آخر الكلمة لفظا لا خطا. وفي الكتابة العروضية، ترجع إلى أصلها فتكتب.
مثال: شاعرٌ، أديباً، كاتبٍ
تكتب: شاعرُنْ، أديبَنْ، كاتبنْ.
3- إثبات الحروف المحذوفة خطا:
كل حرف منطوق محذوف في الخط، ينبغي كتابته عروضيا.
مثال: هذا، هؤلاء...
تكتب: هاذا، هاؤلاء.
وبالجملة، فهنالك قواعد أخرى كثيرة، ولكن يمكن معرفتها بالقاعدة الذهبية: العبرة بما ينطق لا بما يكتب.
والمثالان التاليان يوضحان المقصود أكثر:
الضياء في الشمس والنور في القمر – هذا الفتى التقي داعية إلى الله
تكتب:
اَضْضِياء فِشْشَمس ونْنُور فِلْقَمر – هَـاذَلْفَـتَـتْـتَـقِـيـْيُ داعـيـتُـنْ إِلـَلْلَـاـهِ.
الدرس الثاني: تقطيع البيت الشعري
بعد كتابة البيت الشعري بالكتابة العروضية السابق بيانها، يتم تقطيعه كما يلي:
1- قابل كل حركة من الشعر بحركة من الميزان - بغض النظر عن كونها فتحة أو كسرة أو ضمة - وقابل السكون بالسكون.
2- استعن على هذه المقابلة بأن تضع للحركة رمزا (هو: - ) وللسكون رمزا آخر (هو: ه).
مثال توضيحي:
قول عنترة:
وإذا صحوتُ فما أقصر عن ندى *** وكما علمتِ شمائلي وتكرمي
وإذا صحوْ / تُ فما أُقصْـ / صِر عن ندى ***** وكما علمْـ / ت شمائلي / وتكرْرُمي
---ه--ه / ---ه--ه / ---ه--ه **** ---ه--ه / ---ه--ه / ---ه--ه
من بحر الكامل الذي وزنه: متَفاعلن (ست مرات)
متَفاعلن متفاعلن متفاعلن **** متَفاعلن متفاعلن متفاعلن
الدرس الثالث: التفاعيل العروضية
اعلم أن الكتابة العروضية في البحور الشعرية كلها لا تخرج عن ثمانية من التفاعيل هي أساس الوزن:
فَعولن
مفاعيلُن
فاعلاتن
مُفاعَلَتُن
فاعلن
مُسْتَفْعلن
مُتَفاعِلن
مَفْعُولات
(تنبيه: يجعل العروضيونعدد التفاعيل عشرة، ولا أدخل في هذا التفصيل مراعاة لحال المبتدئين).
ثم اعلم أن هذه التفاعيل تدخلها تغييرات محصورة تسمى زِحافاتٍ وعِللا، وسوف يأتي بيانها من خلال البحور الشعرية، ولا يحتاج المبتدئ إلى حفظ أسمائها وأنواعها.
أمثلة على هذه التغييرات:
فعولنْ قد تصبح فعولُ
ومفاعيلن قد تصبح مفاعِلن
وذلك وفق قواعد مسطورة، يأتي بيانها عند الكلام على كل بحر على حدة.
انظر إلى قول الشاعر مثلا:
أتوك يجرون الحديد كأنما *** سروا بجياد ما لهن قوائم
أتوْك يجررونَلْحديد كأننما *** سروْ بجيادنْ ما لهنن قوائمو
فعول مفاعيلن فعول مفاعلن *** فعول مفاعيلن فعول مفاعلن
هذا من بحر الطويل الذي أصله:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن *** فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
ولكن يدخل على تفعيلات هذا البحر من التغييرات ما يجعل البيت المذكور آنفا مقبولا في هذا البحر.
وقل نفس الشيء في البحور الأخرى كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الدرس الرابع: البيت وأقسامه
تتكون القصيدة العربية من أبيات.
وكل بيت شطران:
الشطر الأول يسمى صدرا، والشطر الثاني يسمى عَجُزا.
مثال:
قول الشاعر:
إذا ما خلوتَ الدهر يوما فلا تقل *** خلوتُ، ولكن قل عليَّ رقيبُ
الصدر هو: إذا ما خلوتَ الدهر يوما فلا تقل
والعجز هو: خلوتُ، ولكن قل عليَّ رقيبُ..
ثم إن آخر جزء من الصدر يسمى عَرُوضةً (أو عروضاً)، وآخر جزء من العجز يسمى ضَرْبا، وما سواهما يسمى حشوا.
مثال:
بانت سعادُ فقلبي اليوم متبول *** متيم إثرها لم يفد مكبولُ
من البحر البسيط: مستفعلن فاعلن أربع مرات.
بانت سعاد فقلْبِلْيَوم متبولُو *** متييَمن إثرها لم يفد مكبولو
بانت سعا / دفقلْـ / بليوم متْ / بولو **** متيْيَمن / إثرها / لم يفد مكْـ / بولو
مستفعلن / فعِلن / مستفعلن / فعْلن *** متَفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعْلن
العروضة هي: ما لون بالأحمر
والضرب هو : ما لون بالأخضر.
والحشو ما لون بالبرتقالي.
تدريب:
عرف العروض والضرب والحشو في الأبيات التي تم تقطيعها في الدروس السابقة.